فصل: (الرحمن: الآيات 1- 13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال: (محبوسات).
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يمسسهن {إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} قرأه العامة بكسر الميم وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
وقرأ أبو يحيى الشامي وطلحة بن مصرف: بالضم فيهما، وكان الكسائي يكسر إحداهما ويضم الأخرى مخيّرًا في ذلك، والعلة فيه ما أخبرني أبو محمد شيبة بن محمد المقري، أخبرني أبو عمرو محمد بن محمد بن عبدوس حدّثني ابن شنبوذ أخبرني عياش بن محمد الجوهري، حدّثنا أبو عمر الدوري عن الكسائي قال: إذا رفع الأول كسر الآخر، وإذا رفع الآخر كسر الأول. قال: وهي قراءة أبي إسحاق السبيعي. قال: قال أبو إسحاق: كنت أصلي خلف أصحاب علي بن أبي طالب فأسمعهم يقرؤون (يطمثهن) بكسر الميم، وكان الكسائي يقرأ واحدة برفع الميم والأخرى بكسر الميم؛ لئلا يخرج من هذين الأثرين، وهما لغتان.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ} قال سعيد بن جبير: هي رياض الجنة خضر مخضّبةٌ. وروي ذلك عن ابن عباس. واحدتها رفرفة والرفارف جمع الجمع.
وروى العوفي عن ابن عباس قال: الرفرف: فضول المجالس البسط. عيره عنه: فضول الفرش والمجالس. قتادة والضحّاك: محابس خضر فوق الفرش.
الحسن والقرظي: البسط. ابن عيينة: الزرابي. ابن كيسان: المرافق وهي رواية.
قتادة عن الحسن وأبو عبيدة: حاشية الثوب وغبره: واكل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف.
قال ابن مقبل:
وإنا لنزّالون نغشى نعالنا ** سواقط من أصناف رَيط ورفرف

{وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} وهي الزرابي والطنافس الثخان وهي جمع، واحدتها عبقرية. وقد ذكر عن العرب أنها تسمى كل شيء من البسط عبقريًا.
قال قتادة: العبقري عتاق الزرابي، وقال مجاهد: هو الديباج.
أبو العالية: الطنافس المخملّة إلى الرقة مَا هِي.
الحسن: الدرانيك يعني الثخان، القتيبيّ: كل ثوب موشى عند العرب عبقري.
قال أبو عبيد: هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي.
قال ذو الرمّة:
حتى كأن رياض القف ألبسها ** من وشي عبقر تجليل وتنجيد

قال: ويقال: إن عبقر أرض يسكنها الجن.
قال الشاعر زهير:
بخيل عليها جنة عبقرية ** جديرون يومًا أن ينالوا فيستعلوا

وقال قطرب: ليس هذا بمنسوب. وكل جليل فاضل فاخر من الرجال وغيرهم عند العرب عبقري، ومنه الحديث في عمر: فلم أرّ عبقريًا يفري فرّيه.
حدّثنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل بقراءتي عليه، أخبرنا أبو العباس الأصم، حدّثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني، حدّثنا الحسين بن محمد، ح.
وأخبرني الحسين، حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدّثنا محمد بن إبراهيم بن ناصح، حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدّثنا أبو أحمد الحسين بن محمد الزوزني الأرطباني وهو ابن عم عبد الله بن عون عن عاصم الجحدري عن أبي بكرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {متكئين على رفرف خضر وعباقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام} بالواو»، شامي وكذلك هو في مصاحفهم. الباقون: (ذي الجلال والإكرام). اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الرحمن مدنية وآياتها 78، نزلت بعد الرعد.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.[الرحمن: الآيات 1- 13]:

{الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ القرآن (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (12) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13)}.
عدّد اللّه عز وعلا آلاءه، فأراد أن يقدّم أوّل شيء ما هو أسبق قد ما من ضروب آلائه وأصناف نعمائه، وهي نعمة الدين، فقدّم من نعمة الدين ما هو في أعلى مراتبها وأقصى مراقيها:
وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، لأنه أعظم وحى اللّه رتبة، وأعلاه منزلة، وأحسنه في أبواب الدين أثرا، وهو سنام الكتب السماوية ومصداقها والعيار عليها، وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره، ثم أتبعه إياه: ليعلم أنه إنما خلقه الدين، وليحيط علما بوحيه وكتبه وما خلق الإنسان من أجله، وكأن الغرض في إنشائه كان مقدّما عليه وسابقا له، ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان، وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير و{الرَّحْمنُ} مبتدأ، وهذه الأفعال مع ضمائرها أخبار مترادفة، وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد، كما تقول: زيد أغناك بعد فقر، أعزك بعد ذل، كثرك بعد قلة، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد، فما تنكر من إحسانه؟ {بِحُسْبانٍ} بحساب معلوم وتقدير سوىّ {تَجْرِيانِ} في بروجهما ومنازلهما. وفي ذلك منافع للناس عظيمة: منها علم السنين والحساب {وَالنَّجْمُ} والنبات الذي ينجم من الأرض لا ساق له كالبقول {وَالشَّجَرُ} الذي له ساق. وسجودهما: انقيادهما للّه فيما خلقا له، وأنهما لا يمتنعان، تشبيها بالساجد من المكلفين في انقياده. فإن قلت: كيف اتصلت هاتان الجملتان بالرحمن؟ قلت: استغنى فيهما عن الوصل اللفظي بالوصل المعنوي، لما علم أن الحسبان حسبانه، والسجود له لا لغيره، كأنه قيل: الشمس والقمر بحسبانه، والنجم والشجر يسجدان له. فإن قلت: كيف أخل بالعاطف في الجمل الأول، ثم جيء به بعد؟
قلت: بكت بتلك الجمل الأول واردة على سنن التهديد، ليكون كل واحدة من الجمل مستقلة في تقريع الذين أنكروا الرحمن وآلاءه، كما يبكت منكر أيادى المنعم عليه من الناس بتعديدها عليه في المثال الذي قدّمته، ثم ردّ الكلام إلى منهاجه بعد التبكيت في وصل ما يجب وصله للتناسب والتقارب بالعاطف. فإن قلت: أي تناسب بين هاتين الجملتين حتى وسط بينهما العاطف؟ قلت: إنّ الشمس والقمر سماويان، والنجم والشجر أرضيان، فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل، وأنّ السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين، وأن جرى الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر اللّه، فهو مناسب لسجود النجم والشجر وقيل: {عَلَّمَ القرآن} جعله علامة وآية.
وعن ابن عباس رضى اللّه عنه: الإنسان آدم. وعنه أيضا: محمد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
وعن مجاهد النجم: نجوم السماء.
{وَالسَّماءَ رَفَعَها} خلقها مرفوعة مسموكة، حيث جعلها منشأ أحكامه، ومصدر قضاياه، ومتنزل أوامره ونواهيه، ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه، ونبه بذلك على كبرياء شأنه وملكه وسلطانه {وَوَضَعَ الْمِيزانَ} وفي قراءة عبد اللّه: {وخفض الميزان} وأراد به كل ما توزن به الأشياء وتعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون ومكيال ومقياس، أي خلقه موضوعا مخفوضا على الأرض: حيث علق به أحكام عباده وقضاياهم وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم {أَلَّا تَطْغَوْا} لئلا تطغوا. أو هي أن المفسرة. وقرأ عبد اللّه: {لا تطغوا} بغير أن، على إرادة القول {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} وقوّموا وزنكم بالعدل {وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ} ولا تنقصوه: أمر بالتسوية ونهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة، وعن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان.
وكرّر لفظ {الميزان}: تشديدا للتوصية به، وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه. وقرئ {والسماء}. بالرفع. {ولا تخسروا} بفتح التاء وضم السين وكسرها وفتحها. يقال: خسر الميزان يخسره ويخسره، وأمّا الفتح فعلى أن الأصل: ولا تخسروا في الميزان، فحذف الجار وأوصل الفعل. و{وَضَعَها} خفضها مدحوّة على الماء {لِلْأَنامِ} للخلق، وهو كل ما على ظهر الأرض من دابة. وعن الحسن: الإنس والجنّ، فهي كالمهاد لهم يتصرفون فوقها {فاكِهَةٌ} ضروب مما يتفكه به، و{الْأَكْمامِ} كل ما يكم أي يغطى من ليفة وسعفة وكفرّاة وكله منتفع به كما ينتفع بالمكموم من ثمره وجماره وجذوعه. وقيل الأكمام أوعية التمر: الواحد كم. بكسر الكاف. والْعَصْفِ ورق الزرع، وقيل التبن {وَالرَّيْحانُ} الرزق وهو اللب: أراد فيها ما يتلذذ به من الفواكه والجامع بين التلذذ والتغرى وهو ثمر النخل، وما يتغذى به وهو الحب.
وقرئ: {والريحان}، بالكسر. ومعناه: والحب ذو العصف الذي هو علف الأنعام، والريحان الذي هو مطعم الناس. وبالضم على: وذو الريحان. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل: معناه وفيها الريحان الذي يشم، وفي مصاحف أهل الشأم: {والحب ذو العصف والريحان}، أي: وخلق الحب والريحان: أو وأخص الحب والريحان. ويجوز أن يراد: وذا الريحان، فيحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه، والخطاب في {رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} للثقلين بدلالة الأنام عليهما. وقوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ}.

.[الرحمن: الآيات 14- 16]:

{خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (16)}.
الصلصال: الطين اليابس له صلصلة. والفخار: الطين المطبوخ بالنار وهو الخزف. فإن قلت: قد اختلف التنزيل في هذا، وذلك قوله عزّ وجل: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}، {مِنْ طِينٍ لازِبٍ}، (من تراب). قلت: هو متفق في المعنى، ومفيد أنه خلقه من تراب: جعله طينا، ثم حمأ مسنونا، ثم صلصالا. {والْجَانَّ} أبو الجن. وقيل: هو إبليس. والمارج: اللهب الصافي الذي لا دخان فيه. وقيل: المختلط بسواد النار، من مرج الشيء إذا اضطرب واختلط.
فإن قلت: فما معنى قوله: {مِنْ نارٍ}؟ قلت: هو بيان لمارج، كأنه قيل: من صاف من نار.
أو مختلط من نار أو أراد من نار مخصوصة، كقوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نارًا تَلَظَّى}.

.[الرحمن: الآيات 17- 18]:

{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (18)}.
قرئ: {رب المشرقين ورب المغربين}، بالجر بدلا من {رَبِّكُما} وأراد: مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما.

.[الرحمن: الآيات 19- 23]:

{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (19) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (20) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (23)}.
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أرسل البحر الملح والبحر العذب متجاورين متلاقيين، لا فصل بين الماءين في مرأى العين {بَيْنَهُما بَرْزَخٌ} حاجز من قدرة اللّه تعالى {لا يَبْغِيانِ} لا يتجاوزان حدّيهما ولا يبغى أحدهما على الآخر بالممازجة. قرئ {يخرج} و{يخرج} من أخرج. وخرج. و{يخرج}: أي اللّه عز وجل {اللؤلؤ والمرجان} بالنصب. و{نخرج}، بالنون. و{اللؤلؤ}: الدرّ. و{المرجان}: هذا الخرز الأحمر وهو البسذ. وقيل: {اللؤلؤ} كبار الدرّ. و{المرجان}: صغاره. فإن قلت: لم قال: {مِنْهُمَا} وإنما يخرجان من الملح؟ قلت: لما التقيا وصارا كالشىء الواحد: جاز أن يقال: يخرجان منهما، كما يقال يخرجان من البحر، ولا يخرجان من جميع البحر ولكن من بعضه.
وتقول: خرجت من البلد وإنما خرجت من محلة من محاله، بل من دار واحدة من دوره. وقيل: لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب.

.[الرحمن: الآيات 24- 25]:

{وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (24) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (25)}.